الأربعاء، 27 أغسطس 2014

( خليتهم الكبرى ! )

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده،

في زمن كثر فيه الشغْبُ والتشغيب، والكذب والفجور، والتقول على اللهوعلى خلقه المتقين بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ولا عدل ولا إنصاف ولا قسطاس مستقيم لا يملك السلفي الصادق إلا أن يسترجع ويعتصم بالكتاب والسنة ويستعيذ من قومٍ ( يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا [فليس خداعهم لله تعالى فقط، بل لله تعالى والذين آمنوا الذين هم أهل الحق في كل زمان، أهل السنة والجماعة الطائفة المنصورة والفرقة الناجية!-] وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشْعُرُونَ ) فبئس قوم يتصفون بشر الصفات: الخداع والكذب والإفساد! وهذه من أعظم صفات أهل الأهواء! قالصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( سيخرج في أمتي أقوام تتجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكلَبُ بصاحبه، لا يبقى منه عِرْقٌ ولا مِفصل إلا دخله )[خرجه أحمد وأبو داود وصححه الألباني]. وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يذهب الصالحون الأول فالأول ويبقى حفالة أي رذالة من الناس والرديء منهم- كحفالة الشعير أو التمر لا يباليهم اللهُ بالةً ) [خرجه البخاري]. فلا يزال الخير ينقص شيئا فشيئا، والشر يزيد ويعم شيئا فشيئا حتى لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق ) ويكون ( أسعد الناس في الدنيا لُكَعُ بنُ لُكَع ) [خرجه أحمد والترمذي وصححه الألباني] و(يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني مكانه ) [متفق عليه].

قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله: ولهذا قال الشعبي: "كل أمة علماؤها شرارها إلا المسلمين فإن علماءهم خيارهم"وأهل السنة في الإسلام كأهل الإسلام في الملل، وذلك أن كل أمة غير المسلمين فهم ضالون وإنما يضلهم علماؤهم؛ فعلماؤهم شرارهم والمسلمون على هدى وإنما يتبين الهدى بعلمائهم فعلماؤهم خيارهم؛ وكذلك أهل السنة أئمتهم خيار الأمة، وأئمة أهل البدع أضر على الأمة من أهل الذنوب. ولهذا أمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتل الخوارج ونهى عن قتال الولاة الظلمةا (مجموع الفتاوى، ج7 ص284 ).والمقصود منه أن أسياد كل قوم علماؤهم، فعلى رأس سادات هذه الأمة الصحابة رضوان الله عليهم ثم القرنين بعدهم كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) الحديثمتفق عليه. ثم بعدهم تشتد غربة الإسلام كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء ) رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ورواه أحمد وغيره من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما وزاد: قيل منالغرباء؟ قال ( أناس صالحون في أناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم[الصحيحة: 1619]، ولا أظن الغربة بلغت المبلغ الذي نحن فيه؛ فتكالبُ الدنيا وشهواتها وهجوم الناس عليها شيء يقصر عنه الوصف، وأما البدع والأهواء وانجراف فئام من الناس فيها فشيء يهولك ذكره ووصفه. وإذا نظرت في حال المنتسبين إلى العلم أورثك من الهم والغم والأسف والحرقة ما الله به عليم إذ خيار الأمة هم علماؤها! فلا تسأل عن الأهواء والبدع في طائفة منهم، ولا تسأل عمن يبيع دينه بعرض من الدنيا ) ولا عمن ( يلتمس الدنيا بعمل الآخرة )! فإذا رأيت هذا كله لا تملك إلا أن تسترجع وتدفع الهم والغم بالإيمان بقوله تعالى { ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق مما يمكرون }والإيمان بوعد الله الصادق لمن رحم ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك } قال قتادة في الآية: أهل رحمة الله أهل الجماعة وإن تفرقت ديارهم وأبدانهم وأهل معصيته أهل فرقة وإن اجتمعت ديارهم وأبدانهم. ا هوهؤلاء هم الطائفة المنصورة الفرقة الناجية الذين لا يزالون ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك!

والذي أودى بغيرهم إلى الفرقة والخلاف هو معصية الله وفتنةالشهوات والشبهات، وعلى رأس ذلك البدع والمحدثات التي هي شر الأمور. والبدعة العصرية التي فتكت بالأمة ومزّقتها هي بدعة التنظيمات الحزبية السياسية الحركية! يحمل لواءها "الإخوان المسلمون" -من شر الفرق وغذاؤها ولبابها-! فجميع الفرق عن الإخوان نشأت سواء حاملة للوائها التنظيمي أو المنهجي العقدي- ومن بساتين ضلالها اقتطفت إلا أنها أعطت لنفسها أسماء مغايرة ذات ألوان متعددة ونكهات مختلفة لتستوعب أذواق الناس وأهواءهم فلا يفلت منها أحد، وهي عند التحقيق- ذات مشرب واحد وأصل ضال متحد! فلا تكاد تقدم هذه الجماعات سوى التعصب المقيت، والانتصار للباطل والهوى، وتنكيس رايات السنة الغراء، ورفع رايات العمى والجهالات باسم العدل والإنصاف! زد على ذلك الأساليب الماكرة الخادعة التي بُنِيت على استعطاف الخير القليل الذي بقي في الناس والجهل العميق الذي سيطر عليهم! ثم بعد ذلك تجد هذهالجماعات الحركية تنظم سيرها وفق خطط شيطانية أخذوها عن أسلافهم { أتواصوْا به بل هم قوم طاغون } فالصفّ الأول الظاهر هو صفّ الجماعة المعلنة، وفيها هرمية وتنظيم عجيب غريب، وفيها خلايا وكتلٌ تحتها لا تُرى إلا من داخِلها، وعند أفراد مخصوصين. والصفّ الثاني مَنْ لا يعلن انتسابه إلى الجماعة وقد ينتسب إلى غيرها- لكنه يقوم بنصرها قلبا وقالبا بالتصريح تارة وبالتلويح أخرى! والصف الذي يليه من يُظهر الاختلاف ولا أقول المخالفة- علنا ولكنه يدعو إلى ما تدعو إليه، بقالب يختلف في المظهر ويتحد في الجوهر؛ ثم هي صفوف فصفوف تتزايد وتتكاثر كلما انفضح صفٌّ ما، تولد آخر موهما أنه أصلح ما انفضح به سابقُه، أو أنه أقرب من سابقه إلى الحق! ولا يزال بهم هذا التولد حتى يكون آخر العنقود: من ينتسب إلى خير القرون ويوهم المخالفة لجميع الصفوف قبله وهو في حقيقته لم يفارقهم طرفة عين! وضحية هؤلاء هو المسلم الغر الجاهل لما عند هذه التنظيمات من مكر وخداع! فسرعان ما تجده ينتقل من النفرة أو على الأقل الارتياب- من هذه الجماعات كحال كل سليم فطرة وديانة ينفر من الباطل ويحذره- إلى التهوين من خطرها لأن كثيرا من ممارساتها لا تخالف عنده!- الحق، فلا يشعر حينئذ والحالة هذه- إلا وقد مُزِجَ فيه شيءٌ من المكر والخداع والغش والكذب والفجور والعصبية المقيتة، فتجده يدافع عن تلك التنظيمات أو بعضها أو بعض ممارساتها ويناضل بطرق ماكرة وكلمات معسولة يدس فيها ومعهاالسم، يوهم المخدوع المغرر به أنه مخالف لها! وينكشف لك مكنونه إذا ما ذُكِرَتْ تلك الجماعات بسوء، فتجده يُرعِد ويُزبِد وتدور حماليقعينيه كأنه أريد في أهله وماله! فعندها يقال لهم:

وفتيان حسبتهم دروعا ... فكانوها ولكن للأعادي

وكل من الصفوف -الثاني فما بعده-: يسوقون الناس سَوْقاً إلى أحضان الجماعات الإسلامية على اختلاف مشاربها وأسمائها. وفي النهاية: فالكل عبارة عن خلية كبرى شاءوا أم أبَوْا- يسعى أفرادُها لتحقيق هدف جامع مشتركولتحقيقه أعدموا الصدقَ وضيعوا الأمانة!ثم يزعمون أن مصلحة الأمة تقتضي ذلك! فهذه صفة جامعة بين أفراد تلك الصفوف الشريرة الماكرة؛ خلافا لسلفنا الصالح ومن سار بسيرهم من الطائفة المرحومة الصادقة الناصحة!

قيل للإمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله: بم بلغ القوم؟ قال: بالصدق.

فتأمل كم ذُكر الكذب والكاذب في الكتاب والسنة على وجه الذم؟!تجده ذكر مرارا وتكرار وتجد التغليظ على فاعله والتوعد عليه بالعقاب الشديد. قال تعالى { إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِوَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ }وقال{ فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه .. } الآيتين وقال {فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته } وقال { ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى } وقال { بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه }وقال بل كذبوا بالحق لما جاءهم وقال ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب } والآيات في هذا المعنى كثيرة جدا. وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وإن الكذب ليهدي إلى الفجور .. ) [الحديث متفق عليه].وفي الحديث في صفة المنافق ( وإذا حدث كذب ) وفي وصف الناس بعد القرون المفضلة ( ثم يجيء قومٌ تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته ) [متفق عليه] إلى غير ذلك من النصوص.

أَوَقَدْ بلغ بنا الحال أن نُذَكِّرَ المنتسبين إلى العلم بهذه الآيات الواضحة البينة المتضافرة وهذه الأحاديث الكثيرة المعلومة؟! ألم تكفي الديانة الصادقة والعلم النافع والفطر السليمة للتذكير بها؟! { ما لكم كيف تحكمون * أفلا تذكرون ؟ }.

وواحسرتاه على من لم يحصّن نفسه: سمعه وقلبه وبصره عن مثل هؤلاء الذين هم في حقيقة دعوتهم "بطانةُ الجماعات الإسلامية"! وكيف ذاك؟ بالاعتصام بالسنة، وتجريد المتابعة لما كان عليه النبيصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه خصوصا، ولما كان عليه سلف الأمة وأئمة الهدى المعروفين عموما! وليحمد الله من وفق لهذا ووفق للالتفاف حول علماء زمانه: الأئمة الثلاثة -رحمهم الله- الذين لا تزال منازلهم في قلوب العامة رفيعة، ومنهم العلامة السلفي صالح بن فوزان الفوزان، ومنهم العلامة السلفي ربيع بن هادي المدخلي، ومنهم الشيخ الفقيه عبيد بن عبد الله الجابري حفظهم الله!

ويا من يريد أن يعيش (سالما) في الدنيا، ناجيا في الآخرة اصدق مع الله وسلِّمْ لسانك من التجني على خلقه خاصة إخوانك أهل السنة-، و كف عن الصد عن سبيل الله، وتشويه شرعه الكامل الصافي النقي. وكن كما كان سلفك الصالح!! فإن لم تقبل النصيحة فإني أحذرك الفضيحة والخزي في العاجلة قبل الآجلة! وأحذرك أقلام جند الله أقلام الردود والذب عن الحق وأهله- فالدين أعز عليهم من الدنيا وما فيها { يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ }.

 

والحمد لله أولا وآخرا، والصلاة والسلام على محمد وعلى آله.

 

وكتب أبو عبد الرحمن علي عبد الحميد السالم


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق